قصص قصيرة

لست شهيدا بعد

لم يشعر بالألم لكنه غاب عن الوعي .. رويدا رويدا لم يعد يشعر بأي شيء .. كان في الصباح خارجا من منزله ليشتري بعض الحاجيات من السوق .. لم يكن ايّ من دكاكين الحارة مفتوحا .. كان الامر غريبا فالحارة هذه لم تخلو يوما من الناس لا في الليل و لا في النهار كانت تعجّ بالجموع الماشية على قدميها تشتري كل انواع الطعام المشهورة به تلك الحارة .. كان صمتا مدهشا و غريبا يجفل القلب و يدب الذعر فيه كأنّ شيئاً سحب من الحارة روحها فصارت مجرّد بيوت متلاصقة و جدران تشتكي لبعضها همّ السنين الطويلة .. بعد ان جال في الحارة و لم يجد شيئاً قرر ان يغادرها الى حارة اخرى علّه يجد ما يسد رمقه و رمق عائلته و شرع في عبور الشارع الى الحارة المجاورة و ما كاد يفعل .. اشتباك ضخم ما بين الثوار و الجيش .. أجفل في مكانه .. دفعه حسّ الحياة الى الاحتماء ببناية قريبة صعد الى طابقها الثاني و راح يسترق النظرات الى الاشتباك الحاصل امامه .. كان الامر اشبه بالافلام الهوليودية التي كان يحبها .. فكمّ الرصاص الهائل و تحركات المتقاتلين كانت تماما كما في الافلام .. الا ان ما يحدث امامه كان امرا واقعا .. لم يستطع ان يسكت .. فالادرينالين اندفع بسرعة مدهشة لكل ثنايا جسده .. كان يريد ان يعبّر بأي طريقة فشعوره الوطني و حبّه للثوار لم يكن امراً يستطيع ردع لسانه عن التعبير عنه .. الله محيي الجيش الحر .. نطقها بلسانه بعد ان استجمع كلّ ما خبأته نفسه من عشق للوطن .. كان محبا للوطن .. عاشقا لترابه .. يحب الحياة .. الحياة على وطنه الذي يولد امام عينيه ذهبا ناصعاً .. لم ينتبه لوجود قناص الجيش في المبنى المقابل .. بل لم ينتبه حتى انّه احتمى بالبناء المجاور لنقطة أمنية .. كانت الحياة و حبها هما ما دفعاه ليتصرف .. عاجله القناص بثلاث رصاصات اخترقت بطنه و حفرت لها ممرا داخل جسده كي تخرج من الجهة المقابلة .. لم يشعر بالألم لحظتها .. سقط .. غاب عن الوعي .. رويدا رويدا لم يعد يشعر بأي شيء .. ساعات مرّت قبل ان ينتهي الاشتباك معلنا نصر الثوار .. عاد سكّان البناء معهم بعض الثوار و الناشطين .. صعدوا .. وجدوه جسدا ممدداً على الارض غارقا بالدماء .. استلّ أحد الناشطين كميرته و بدء بالتصوير .. الميدان .. 28 تموز 2012 .. شهيد .. شهيد .. على وقع الكلمات صحت الحياة في الجسد المستريح .. نظر الى الوجوه .. ركّز في الكلمات .. صاح ..  لست شهيدا بعد